Important news ticker


مبكر أكثر من المتوقع عادت روسيا إلى الشرق الأوسط لتملأ الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة. لكل من نعى روسيا كقوة عظمى عالمية، بسبب العقوبات الاقتصادية الأليمة التي فرضتها عليها الولايات المتحدة وأوروبا، ولكل من اعتقد أن مغامرات الكرملين في أوكرانيا ستقيد قدرتها على المناورة في العالم، يثبت فلاديمير بوتين أمام الملأ بان قوته لا تزال في متنه. فالروس، في السعودية وفي مصر أيضا، يوقعون على صفقات سلاح بحجم عشرات مليارات الدولارات، وكذا في إيران، وها هم الان يعودون إلى سوريا أيضا، والتي كانت على مدى سنوات عديدة معقلهم الرئيس في الشرق الأوسط.
روسيا لم تهجر أبدا بشار الأسد بل وواصلت حتى في اشد أيامه توريد السلاح والمساعدات المالية السخية له. ولكن مثل هذا التدخل المباشر وارسال المقاتلين والطيارين الروس هو بلا أي شك حتى بالنسبة لها ارتفاع درجة دراماتيكية، وبل ومفاجئة. يشهد هذا التدخل قبل كل شيء على الثقة بالنفس وعلى الاحساس بالقوة، والذي بدونه ما كان بوتين ليتجرأ على ان يأمر بزيادة مبلغ الرهان الروسي في سوريا. زعيم واثق بنفسه فقط يمكنه أن يأمر بتدخل كهذا في منطقة على هذا القدر من الاشكالية والتعقيد، فيما يستخف بالأمريكيين علنا.
فهل يعتقد بوتين حقا بأن بوسعه أن ينقذ الأسد؟ ليس هذا هو السؤال من ناحيته. فتدخله هذا في سوريا يضعه مرة أخرى في مركز المسرح الدولي كلاعب مركزي لا يمكن الحل بدونه، وهكذا يمكن الاستنتاج عن مكانة وخطوات روسيا في ساحات عمل أخرى لها مثل اوروبا، بل وحتى في الشرق الأقصى.
وهذا، حتى لو سقط بشار، فان التواجد الروسي في سوريا كفيل بأن يستمر، إذ أنه يوجد على الشاطيء العلوي، ذاك الجيب الذي يسهل الدفاع عنه واليه تنسحب بقايا النظام لمعركة الصد الأخيرة في منطقة معظم سكانها هم أبناء الطائفة العلوية. من ناحية روسيا، هذا إذن استثمار للمدى البعيد.
كما ينبغي الاعتراف بأن سوريا هي بالنسبة لبوتين خط الدفاع المتقدم ضد انتشار التطرف الإسلامي، الذي إذا لم يتوقف فإنه سيصل إلى حدود روسيا أيضا. في ضوء فشل التحالف برئاسة الولايات المتحدة في وقف داعش، يسعى بالتالي الروس إلى طرح بديلهم، وما امتنعت الولايات المتحدة عن عمله فإنهم مستعدون بل وجاهزون لعمله – إرسال جنودهم وطياريهم إلى أرض سوريا. لعل الأمريكيون سيشكرون الروس ذات يوم وهذا أيضا يأخذونه بالحسبان في واشنطن وفي موسكو.
المؤسف هو أنه خلف كل شيء آخر ثمة في تصعيد التدخل الروسي في سوريا ما يفيد بافلاس وعجز الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. روسيا ببساطة لا تحصي واشنطن وبالتأكيد لا تنصت للتحذيرات الهزيلة التي يطلقها على مسمعها الأمريكيون من مغبة التدخل بقدم فظة في الحرب في سوريا، ومن مغبة إمكانية المواجهة بين الروس وبين الحلفاء المحليين للأمريكيين من بين الثوار أو حتى مع طائرات أمريكية تعمل في سوريا.
ما المعنى من ناحية إسرائيل؟ خلافا للسبعينيات، روسيا ليست عدو إسرائيل وتدخلها في سوريا لا يستهدف مساعدة الأسد وفي المستقبل ربما أيضا إيران وحزب الله للقتال ضد إسرائيل. ليس للروس شيء مع إسرائيل، ولكن في نفس الوقت فإنهم غير قلقين من أن يمس بإسرائيل السلاح المتطور الذي يبيعونه مقابل الدولارات الطيبة لإيران او لسوريا. يمس بإسرائيل التي درجت حتى وقت قصير مضى على مهاجمة أهداف في سوريا في كل مرة اشتبهت فيها بان السوريين ينقلون السلاح المتطور إلى حزب الله.
الروس قد لا ينقذون بشار، ولكنهم عادوا ليجعلوا سوريا معقلا روسيا هاما كجزء من صراع عالمي، سواء ضد الجهاد العالمي أم كجزء من المواجهة المتجددة بينهم وبين الولايات المتحدة. ومن الأفضل لإسرائيل أن تبقى تراقب واقفة على جنب في هذا الصراع، وبالتأكيد طالما تواصل الولايات المتحدة نفسها اتخاذ سياسة عدم الفعل في ضوء الأزمة السورية.