Important news ticker


تتحرك المملكة العربية السعودية بهدوء تمهيدا لاحتمالية التوصل إلى اتفاق نووي دولي بين إيران والقوى الكبرى، وهو الاتفاق الذي تخشى الرياض أن يُعاد به تأهيل منافسها الفارسي الشيعي. ويتجنب نهج الملك «سلمان بن عبد العزيز» المشهد العام لخطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» أمام الكونجرس (في الواقع، لا يريد السعوديون أي ارتباط مع إسرائيل)، وبدلا من ذلك فإنه يركز على التحالفات الإقليمية لاحتواء إيران الناشئة.
ورحب السعوديون علنا بتأكيد وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» الأسبوع الماضي خلال زيارته إلى الرياض، والتي جاء فيها أن واشنطن لن تقبل باتفاق نووي مع إيران لا يرقى إلى المستوى المطلوب، وأن الاتفاق لن يُدشّن لتقارب كبير بين واشنطن وطهران. وفي الوقت ذاته، فإن السعوديين يبقون في حالة من الشك والريبة، على الرغم من أنهم يستعدون لأي نتيجة قد تسفر عنها المفاوضات التي تجمع دول الخمس زائد واحد مع إيران.
ويعترف السعوديون أن التوصل إلى صفقة ناجحة بين إيران والولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا سوف تحظى بدعم دولي واسع وتأييد من الأمم المتحدة. وليس للمملكة أي مصلحة في أن تصبح معزولة محاصرة داخل أقلية من المعارضة مع «نتنياهو» ضد اتفاق مدعوم بأغلبية عالمية. وتقلل الأسرة الحاكمة في السعودية من أهمية إسرائيل، ويعتبر السعوديون رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» مجرم حرب، وهو ما يعني أن المملكة ليست لديها مصلحة في الوقوف في خندق الأقلية المعارضة للاتفاق النووي الإيراني بجانب إسرائيل.
وتتجهز المملكة للاتفاق النووي الإيراني عبر تقوية تحالفاتها الإقليمية - وخاصة مجلس التعاون الخليجي - والتي تحتفظ فيها بعلاقات قوية مع كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين. وعلى الرغم من عِلم الرياض أن سلطنة عمان وقطر لن يتخليا عن التعاون المشترك مع إيران، إلا أن العاهل السعودي يضغط على البلدين للالتزام بوحدة مجلس التعاون الخليجي، وعدم تسهيل الدور التخريبي لإيران.
اليمن ... ساحة الحرب الرئيسية
ويُعدّ اليمن ساحة الحرب الرئيسية بالنسبة لمجلس التعاون الخليجي. وفي ظل نجاح إيران في تحقيق هدفها باليمن عبر توسيع نفوذها هناك في أعقاب تمكن الحوثيين الشيعة من السيطرة على العاصمة صنعاء ومعظم المناطق الشمالية، فقد سعت المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي إلى دعم ما تبقى من سلطة الرئيس اليمني «عبد ربه منصور هادي» الذي غادر إلى عدن في جنوب البلاد. لقد بات موقف المملكة العربية السعودية الآن دفاعيا في اليمن.
وتُعدّ مصر الشريك العربي الرئيسي للسعودية؛ حيث لعبت المملكة دورا مهما في وصول الرئيس الحالي «عبد الفتاح السيسي» إلى السلطة، لكن مصر الآن مُنشغلة بشكل أكبر بقضاياها الداخلية، خاصة فيما يتعلق بمواجهة الإرهاب وتنظيم «الدولة الإسلامية» في الداخل، فضلا عن مواجهة خطر تفكك ليبيا على حدودها الغربية، وهو ما يجعل القاهرة مشغولة بشكل كبير عن تقديم المساعدة التي قد تُحدث فارقا في وقف التوسع والنفوذ الإيراني بأماكن أخرى. ورغم ذلك تسعى الرياض لإبقاء خط مساعدة المصريين مفتوحا.
وتنظر السعودية للحكومة الشيعية في بغداد على أنها شريك عربي مفقود منذ زمن طويل. وتتوقع السعودية خروج إيران كأكبر منتصر في الحرب ضد «الدولة الإسلامية» بصرف النظر عن طول المعركة وخسائرها. ويعرف السعوديون أهمية العراق بالنسبة لإيران تاريخيا وجغرافيا وديموغرافيًا، كما يرون أن الرئيس الأمريكي السابق «جورج بوش» الابن ارتكب خطأً لا يُغتفر في العراق عام 2003، كما صنع الرئيس الحالي «باراك أوباما» ”تحالفًا غير مقدس“ مع إيران في العراق، وترى المملكة أن الخيار الوحيد أمامها هو احتواء الاختراق الشيعي هناك أيضا.
وذهبت سوريا هي الأخرى إلى إيران، لكن المملكة لا تزال تأمل برحيل «بشار الأسد». وتقدم الرياض - جنبا إلى جنبٍ مع فرنسا - الأموال للجيش اللبناني كوسيلة لعرقلة «حزب الله» وتحجيم نفوذه. والتقى العاهل السعودي الملك «سلمان» مؤخرا بالعاهل الأردني الملك «عبد الله الثاني» للتنسيق مع عَمّان بشأن سوريا، كما التقى بالرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» للغرض ذاته.
الحليف النووي
وتُعدّ باكستان أكبر حليف فعّال بالنسبة للسعودية؛ حيث تعتبر الدولة المسلمة الوحيدة التي تمتلك صواريخ نووية ولديها ترسانة نووية هي الأسرع نموا في العالم، ولعبت السعودية دورا كبيرا في مساعدة باكستان على تطوير برنامجها النووي خلال حقبة السبعينيات من القرن الماضي من خلال توفير المال للمشروع.
ولأول مرة في العام الماضي عرض السعوديون علنا صواريخهم الباليستية متوسطة المدى الصينية الصنع - الوحيدة القادرة على الوصول إلى طهران - خلال عرض عسكري حضره رئيس الأركان الباكستاني «راحيل شريف» الذي يتحكم في ترسانة الأسلحة النووية الباكستانية.
ووجّه الملك «سلمان» في فبراير/شباط الماضي دعوة إلى رئيس الوزراء الباكستاني «نواز شريف» لزيارة المملكة لتعزيز الشراكة والتحالف الإستراتيجي بينهما. وقضى «شريف» ثلاثة أيام في المملكة الأسبوع الماضي - استجابة لدعوة الملك - وحظي بالاستقبال الملكي. ووصفت وسائل الإعلام الباكستانية هذه الدعوة العامة والعاجلة بالتعاون البنّاء ضد إيران. وزار «سلمان» إسلام آباد قبل عام بصفته ولي العهد، وقدّم لشريف منحة بقيمة 1.5 مليار دولار لإعادة التأكيد على ”الاتفاق الاستراتيجي“ بين السعودية وباكستان.
وقد ظهرت نتيجة المحادثات الأخيرة بشكل فوري في تخطيط إسلام أباد لنقل سفارتها من صنعاء إلى عدن كما فعلت المملكة دعما للرئيس «هادي» الذي أعلن تراجعه عن الاستقالة واستقر في عدن.
وتظهر التوقعات في إسلام آباد سعي الملك للحصول على تأكيد من «شريف» أنه إذا جاءت المفاوضات مع إيران مُرضية أو غير ذلك فإن باكستان ستحقق التزاماتها مع المملكة فيما يتعلق بالأمن السعودي. لقد فُهم أن الرياض وإسلام آباد يشكلان بُعدا نوويا.
كما زار «شريف» المملكة العربية السعودية في شهر يناير/كانون الثاني من هذا العام. ويبدو أنه أُخبر آنذاك أن الملك «عبد الله بن عبد العزيز» كان على شفا حفرة من الموت، ومن ثم جاء «شريف» لزيارته واجتمع مع «سلمان» قبل وفاة الملك. ولم يُعط أي زعيم آخر هذا الإشعار المسبق، ما يدل على الأهمية الحاسمة لمحور السعودية وباكستان.
ويُعدّ المحور السعودي الباكستاني هو الأكثر أهمية، وتفاصيل التعاون النووي بين البلدين من أكبر الأسرار في العالم. وتفضّل الرياض وإسلام آباد الغموض والإنكار.
ويمكن القول إن السعوديين لم يبحثوا عن بديل لأوباما، فلا تزال الولايات المتحدة هي أهم وأقدم حليف للمملكة. لكن الأمريكيون يُجيدون الخطابات والأحاديث الحماسية، ويفضل السعوديون نهجا أكثر دهاء.