Important news ticker


وكأن ما أرادت وكالة الطاقة الدولية أن تقوله يوم الثلاثاء هو أن سوق النفط ليس سوق والدك!
قالت وكالة الطاقة الدولية - وهي وكالة الطاقة التابعة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية - في تقريرها السنوي الخاص بتوقعات سوق النفط لمدة خمس سنوات مقبلة أن صعود الولايات المتحدة باعتبارها منتج للنفط الخام الثقيل، وتنازل منظمة «أوبك» عن دورها التاريخي باعتبارها «الوسيط» لإمدادات النفط العالمية، وتباطؤ نمو الطلب على النفط في جميع أنحاء العالم سيكون لها انعكاسات كبيرة على الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء.
والنتيجة: إبحار هاديء بسلاسة بشكل عام بالنسبة للولايات المتحدة بعد سنوات قليلة من عدم الراحة لعمالقة السيولة النقدية من وراء النفط في الخليج العربي، وسنوات من الاضطراب والمالية المشلولة وعدم الاستقرار السياسي في دول نفطية مثل فنزويلا. وقالت وكالة الطاقة الدولية إن روسيا ستكون الأكثر تضررا.
وعلى النقيض من الزيادة المستمرة في إنتاج الولايات المتحدة على مدى السنوات الخمس المقبلة، تتوقع وكالة الطاقة الدولية تقلص إنتاج النفط الروسي بمقدار نصف مليون برميل يوميا، وذلك بفضل انخفاض أسعار النفط الخام والعقوبات الغربية المدمرة وفقدان العملة الروسية لقيمتها. كل هذه العوامل تجعل من الصعب على روسيا الاستثمار في استمرارية الحفاظ على إنتاج النفط في الحقول القديمة، ناهيك عن الاستفادة من المشاريع الجديدة الغريبة في القطب الشمالي أو في الخارج.
«ومن المرجح أن تظهر روسيا - التي تواجه عاصفة من انهيار الأسعار والعقوبات الدولية وانخفاض قيمة العملة - كأكبر خاسر في هذه الصناعة النفطية»، بحسب وكالة الطاقة الدولية. وقالت الوكالة إن إنتاج روسيا من النفط قد ينخفض بمعدل560 برميل يوميا بحلول عام 2020م، وبحسب الوكالة ذاتها فإن روسيا تضخ نحو 10.5 مليون برميل يوميا. وهذا بدوره من المرجح أن يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي الواسع، ما قد يمثل أخطر تحد للرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» منذ أن بدأ حكمه منذ أكثر من عقد من الزمن.
وبعيداعن روسيا؛ فإن سوق النفط لديه سؤال واحد كبير فوري: هل انتهى الاضطراب؟ لقد تراجعت أسعار النفط بأكثر من 50% من أعلى مستوى وصلت له خلال الصيف الماضي، والذي تسبب بدوره في خفض الاستثمار، ما أخاف تجار النفط ودفع الأسعار للارتفاع مُجددًا في هذه الأيام الأخيرة. وفي ظل سعر يتراوح حول الـ40 دولارا لبرميل النفط ، فقد عاش السائقون الأمريكيون سعادة بالغة بهبوط أسعار البنزين في المحطات إلى ما دون 2.50 دولار للجالون الواحد في مناطق عديدة من البلاد. لقد تغيّر هذا قليلا في الأيام الأخيرة مع انتعاش أسعار النفط الأمريكي إلى نحو 50 دولارا للبرميل. (وقد استحث ذلك أيضا أسعار البنزين ليتجه سعرها نحو الارتفاع).
وانقسم محللو النفط بشأن ما إذا كانت تقلبات الأسعار ستنتهي قريبا أم لا، فهناك بعضهم وعلى رأسهم المخضرم «إدوارد مورس» من «سيتي بنك» اعتقدوا أن النفط قد ينخفض إلى 20 دولارا للبرميل الواحد. أما المتفائلون داخل منظمة »أوبك» فيعتقدون أنه يمكن أن ترتفع الأسعار مرة أخرى لتصل إلى 200 دولارا للبرميل.
أما ما يتعلق بتحديد من معه الحق فهذا أمر بالغ الصعوبة، بسبب التغيير المزدوج في كيفية عمل أسواق النفط. إنتاج النفط في الولايات المتحدة والذي يعتمد إلى حد كبير على تكسير مئات الآبار الفردية هو أكثر استجابة لتقلبات الأسعار من مشاريع النفط الضخمة التي تتكلف مليارات الدولارات في أجزاء أخرى من العالم. وهذا يعني أن جانب العرض في السوق أكثر اضطرابًا مما كان عليه في أي وقت مضى.
وقالت الوكالة إن القواعد القديمة الخاصة باستهلاك النفط اختفت تماما.
أولا وقبل كل شيء؛ فإن الطلب على النفط لم يعد يقتصر على العالم الصناعي، ففي عام 2014م لأول مرة تحرق البلدان النامية خارج منظمة التعاون والتطوير الاقتصادي أكثر مما أحرقته الدول الغنية داخل المنظمة. وفي عام 2015م؛ فإنه للمرة الأولى ستستهلك قارة آسيا نفطا أكثر مما تستهلكه أمريكا الشمالية والجنوبية معا.
وأشارت الوكالة الدولية للطاقة أن «مركز الثقل الخاص بالطلب على النفط يتحرك باتجاه الشرق».
والأهم من ذلك أن الطبيعة الكاملة لاستهلاك النفط آخذة في التغيير أيضا. وكان هناك في الماضي خط مستقيم بين النفط الرخيص وزيادة الطلب. وليس بعد الآن؛ فبسبب الخوف العالمي من الكساد العظيم وكفاءة الطاقة العالية والخطوة الواعية لوضع الاقتصادات التي تستهلك الكثير من الطاقة - مثل الصين - لاتباع نظام للطاقة، فإن النفط الرخيص لم يعد تلقائيا يجد مشترين.
وتقول وكالة الطاقة الدولية إن الضربة المزدوجة تشير إلى أن أسعار النفط سوف تنهض من على الأرض لكنها من غير المرجح أن ترتفع إلى مستويات مذهلة في الوقت ذاته. ويفترض أن الأسعار سوف «تستقر عند مستويات أعلى من أدنى مستوياتها الأخيرة، ولكن أقل بكثير من أعلى مستوياتها خلال السنوات الثلاث الماضية».
وراء تك السوق المتشنجة تكمن ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة. وفي العام الماضي؛ تفوقت الولايات المتحدة على كل البلاد الأخرى في زيادة إنتاج النفط. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يستمر الأمر؛ وسوف تضخ الولايات المتحدة اثنين من كل خمسة براميل جديدة تأتي من الأرض في السنوات الخمس المقبلة. وستواصل كندا أيضا زيادة معدل ضخها بإضافة 80 ألف برميل يوميا من الإنتاج خلال هذه الفترة على الرغم من المخاوف الموجودة في هذه الصناعة من أن انخفاض أسعار النفط سوف يتسبب في ردة فعل متسرعة من المنتجين.
ومن وجهة نظر الوكالة فإن «تصحيح السعر سوف يجعل الإمداد في أمريكا الشمالية يتوقف، لكنه لن يكون سببا في وضع نهاية لتراجع الأسعار».
يختلف الوضع في «أوبك» بعض الشيء. وقالت الوكالة إن منظمة «أوبك» المُنتجة للنفط سوف تزيد الإنتاج فقط حوالي نصف ما زادته الولايات المتحدة، وأن العراق هي المحددة تقريبا لكل هذه الزيادة المتوقعة. ونظرا للتهديد الذي يواجهه العراق من تنظيم «الدولة الإسلامية» بالتزامن مع تقلص الميزانية والمخاوف بشأن كيفية الحفاظ على الإنتاج في حقول النفط الجنوبية الكبيرة لها، فإن هناك ضبابية تخفي ورائها شيئا مُوحشا. ومع ذلك؛ فإن ليبيا - بحسب الوكالة الدولية - تمثل مشكلة حقيقية بالنسبة لمنظمة «أوبك»؛ حيث تعصف بالبلاد حالة من التناحر بين الحكومات والمسلحين في جانب والإسلاميين من جانب آخر والذين يقاتلون للسيطرة على حقول النفط. وهذا قلل إنتاج النفط الليبي بشدة بحسب الوكالة.
وتقدم إيران حالة مغايرة؛ فاحتمال التوصل إلى اتفاق مع الدول الغربية بشأن البرنامج النووي الإيراني يثير إمكانية وضع حد للعقوبات التي أضعفت صادرات النفط الإيرانية. وإذا تم التوصل إلى اتفاق، فإن وكالة الطاقة الدولية تحذر من أن إيران ستُغرق السوق بأكثر من مليون برميل يوميا من إيران ما يدفع الأسعار للهبوط.
ومع التأكيدات المتواصلة بأن «روسيا» ستكون الخاسر الأكبر في العالم، فإن أعضاء حكومة القلة في موسكو يبحثون خارج حدودها عن شخص ما يحملوه تبعات مشاكلهم. «إيغور سيتشين» - رئيس شركة «روسنفت» الروسية الكبرى - ألقى باللوم على «أوبك» في هذا الاضطراب الذي يشهده سوق النفط وصناعته؛ حيث قال في لندن الثلاثاء الماضي: قررت المنظمة الحفاظ على ضخ النفط في أواخر العام الماضي بنفس المعدل في الوقت الذي كانت الأسعار فيه تتهاوى بشدة على الرغم من المناشدات التي خرجت من موسكو وكراكاس وطهران بإغلاق الصنابير.
ولكن «سيتشين» الذي فرض عقوبات على نفسه وعلى «روسنفت» قلل أيضا من طفرة النفط في الولايات المتحدة، قائلا إن الثورات بطبيعتها قصيرة الأجل. ونتيجة لذلك؛ يتوقع «سيتشين» أن انخفاض الأسعار سوف يضغط على المنتجين كثيرًا ليكون هناك نقص في الإمدادات في وقت لاحق من هذا العام.
وبالنسبة للوكالة فإن هذا مشكوك فيه بنسبة ضئيلة. وسوف يؤدي انخفاض الأسعار إلى سوق أكثر إحكاما في وقت لاحق من هذا العام، ولكن من الصعب تراجع الإمدادات. وما يتعلق بتلك النقطة أكثر هو أن الثورة في سوق النفط العالمية - وخاصة في الولايات المتحدة - لن تدخل بهدوء إلى ذلك الليل الهادئ.
وخلصت وكالة الطاقة الدولية إلى أن هناك شيء ما يلوح في الأفق في أمريكا الشمالية والعراق بنهاية العقد الحالي وبشكل أكبر مما كان متوقعًا في السابق.